حكم الاستئذان عند دخول البيوت
ينظر الإنسان إلى بيته على أنه المكان الذي يلجأ إليه لتسكن روحه وتطمئن نفسه ويأمن على حرمانه. ولا يمكن أن يكون كذلك ، إلا حين يصبح حرماً آمنا لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم ، وفي الوقت الذي يريدون ، وعلى الحال الذي يفضلون ؛ لأن اقتحام الزائر للبيت الذي يقصده بدون إشعار سابق ، يعد انتهاكاً لحق الأسرة ، وسببا لإحراجها والتضييق عليها ؛ لهذا أوجب الله الاستئذان. يقول الشيخ السعدي : يرشد الباري عباده المؤمنين ، أن لا يدخلوا بيوتًا غير بيوتهم ، بغير استئذان ، فإن في ذلك عدة مفاسد : منها ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ﴿إنما جعل الاستئذان من أجل البصر﴾.
تعريف الاستئذان
الاستئذان هو : إعلام القادم أهل البيت بأنه يريد الدخول عليهم ، ويكون الاستئذان بأية وسيلة من الوسائل التي تحقق الغرض ، مثل : الكلام ، أو طرق الباب ، أو قرع الجرس ، ونحو ذلك. وقد يعرّف بحسب نوع الاستئذان كتعريف الفقهاء للاستئذان عند دخول بيوت الآخرين أو عند دخول البالغين على محارمهم بقولهم: التماس الإذن تأدبًا خشية الاطلاع على عورة. أو طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن.
آداب الاستئذان في الإسلام
للاستئذان آداب ومواصفات تجعله أكثر فائدة وأحسن نظاماً ، وقد أشارت الآيات إلى عدد منها وورد في الأحاديث عن النبي ( ص ) توضيحها وتفصيلها ، ومنها :
- الاستئذان بطريقة لطيفة تراعى فيها ظروف الناس وأوقاتهم ، وتتضمن ما يشعرهم بالطمأنينة ؛ كالسلام عليهم ، وإخبارهم باسمه أو صفته أو كنيته ، فيقول بعد السلام : أنا فلان ، لأن ذلك أكثر إيناساً لأصحاب البيت ، وقد أشار إليه القرآن الكريم حينما عبر عن الاستئذان بالاستئناس .ولا يليق للزائر أن يخفي نفسه إن سألوه : عن اسمه ، فيقول ـ مثلا ـ : أنا ، أو واحد ، أو صديق ، أو يبدل السؤال بسؤال ، فيقول ـ حينما يسألوه عن اسمه ـ : أين فلان ؟ أو هل فلان بالداخل ؟ لأن ذلك نوع من الإزعاج والتضييق ، وقد جاء عن جابر بن عبدالله ، قال أتيت النبي ﷺ فدققت الباب ، فقال : من ذا ؟ فقلت : أنا . فقال عليه الصلاة والسلام : أنا ..أنا .. كأنه كرهها. [أخرجه البخاري ، كتاب الاستئذان ، باب : إذا قال : من ذا ؟ فقال : أنا].
- الانصراف إذا لم يكن في البيت أحد من أهله ، فلا يجوز لأحد أن يقتحم بيت غيره بدون إذن منه سواء كان بداخله أحد أم لا ، فإنه ـ وإن لم يكن فيه أحد يراعى وجوده ، قد يكون فيه من الأشياء ما لا يجب صاحب البيت أن يطلع عليها أحد من الناس.
- التريث بعد الاستئذان حتى يتم الإذن من صاحب البيت ، فلا يقتحم القادم البيت بحجة أنه قد استأذن ؛ لأن الاستئذان بمفرده لا يبيح الدخول ، وإنما هو مجرد طلب للإذن ، وقد يؤذن له وقد لا يؤذن.
- الاقتصار في الاستئذان على ثلاث مرات ، ينتظر بين كل مرة ومرة وقتاً يشعر فيه بأنه بحاجة إلى تكرار الاستئذان ، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه قال : (الاستئذان ثلاث ، فإن إذن لك وإلا فارجع) [أخرجه مسلم ، كتاب الاستئذان]. ولا يكثر الإلحاح بحجة التأكد من وجود من يريد.
- الرفق عند دق الباب أو الجرس ، وكذلك خفض الصوت إن كان الاستئذان بالكلام بما يؤدي الغرض حسب الحال ، فقد جاء عن أنس ابن مالك رضي الله عنه : أن أبواب رسول الله ﷺ كانت تقرع بالأظافر ؛ لشدة أدب أصحاب رسول الله.
- التحول عن الباب عند الاستئذان بعد طرقه فلا يقف المستأذن أمامه ، ولا ينظر من الفتحات والثقوب لمعرفة ما في الداخل ، ولو بذريعة التأكد من وجود المطلوب أم لا ، فقد جاء عن النبي ﷺ أنه كان إذا أتى باب قومٍ لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول : السلام عليكم .. السلام عليكم ، ولا يحق له التطلع إلى داخل البيت عند الاستئذان.
- الرجوع وعدم الإلحاح في حال رفض صاحب البيت استقبال القادم لأي سبب من الأسباب كارتباطه بوعدٍ سابقٍ ، أو عملٍ شاغل ، أو مانعٍ صحي أو ذاتي خاص ،فإن على القادم أن يقدر ظروف صاحب البيت ، ولا ينزعج من رفض استقباله ، وسواء كان ذلك الرفض بالتصريح أو التلميح.
حكم دخول المنازل غير المسكونة والأماكن العامة بغير استئذان
في الوقت الذب نهى الله تعالى عن الدخول إلى مساكن الناس إلا بإذن منهم ، لم يضيق عليهم في الاستئذان للدخول إلى الأماكن العامة التي لا يختص بسكناها أحد ، ما دام له فيها حاجة ، كالمدارس ، والدوائر الحكومية ، والسكن الجماعي ، والقاعات ، والمطاعم ، والمتاجر ، وما شبه ذلك كالحدائق ، والمتنزهات العامة ، وكذلك البيوت المهجورة إذا أمن على نفسه.
وليس من الأماكن التي يجوز دخولها بدون إذن : الغرف المستأجرة في الفنادق ، ولكل جزء من الأماكن العامة أغلق عليه باب ، أو أسدل عليه ستار بغرض حجب الآخرين عنه ، فهو مما يجب الإستئذان للدخول إليه ، سواءً كان في المدرسة ، أم في دائرة حكومية ، أم في مطعم ، أم في غيرها.